الجمعة، أكتوبر 14، 2011

مقال

مقالة لدكتور صالح بن حسن الزاير عن تأسيس قسم التربية الفنية والحلم في كلية للفنون الجميلة

قصة إنشاء كلية الفنون الجميلة بجامعة الملك سعود بالرياض



.

كلية الفنون الجميلة من الكليات التي حرصت جامعة الملك سعود بالرياض على انشائها في الحرم الجامعي الجديد منذ عام 1976م نظرا لحاجة البلاد لتخريج متخصصين في فروع الفنون المختلفة


هل نحن بحاجة لكلية أو أكاديمية للفنون؟ توجهت بهذا السؤال لوكيل جامعة الملك سعود (كان اسمها آنذاك جامعة الرياض) الدكتور حمود البدر في العام 1980م، وكان رده إن الجامعة ترى بعض أولويات تلك المرحلة التي لا يندرج تندرج الفنون من ضمنها فساق على سبيل المثال كلية للعمارة والتخطيط (كانت موجودة في ذلك الوقت).  حاء هذا  السئوال بعد اطلاعي على بعض الخرائط لمشروع الحرم الجامعي في الدرعية والذي ضم عددا من الكليات التي لم يكتب لها الإنشاء مثل كلية القانون والعلوم السياسية، وكانت كلية الفنون الجميلة أيضا من ضمن هذه الكليات التي تم التخطيط لها لأن تضم قم الفنون التشكيلة وقسم للموسيقى وربما كان هناك مخطط لقسم الفنون الدرامية والديكور المسرحي والفنون الشعبية، إذا أن المبنى المزعوم إقامته يتألف من 3 طوابق ويضم مسرحا كبيرا وقاعة للعروض الموسيقية ومراسم وقاعات للعروض التشكيلية ومراسم مختلفة الأحجام.
ربما يفاجأ الكثير بأن مخطط الكلية قد ضم مثل هذه النظرة "التقدمية" التي كانت سائدة في ذلك الوقت (المخطط أكتمل في 1976م)، ولكن لهذا المخطط خلفيات سبقته.  في السبعينيات وبعد أن بدأت البنية التحتية قد بدأت تظهر ملامحها بدأت الدولة تخطط البنية التعليمة التي تتواكب مع ذلك الطموح الذي يساور المخططين للمستقبل، فكان لا بد من التفكير في الكيات المتخصصة التي يحتاج لها المجتمع، فالمؤسسات التعليمية لا يمكن أن تقتصر على تخريج الأطباء والمهندسين والمعلمين بل إن كل مجال من مجالات العلوم والفنون هو ضروري لبناء مملكة عصرية منتجه في كل المجالات، فقبل هذا التاريخ كانت هناك معهد التربية الفنية الذي تأسس في الستينيات واجتذبت له وزارة المعارف في ذلك الوقت العديد من الفنانين الكبار من الدول العربية المجاورة وقد تخرج منه اغلب فنانينا المعروفين في الساحة التشكلية اليوم، وكان المعهد كما هو معروف معهدا ثانويا يمنح الدبلوم الثانوي ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات، وعلى الرغم من محدودية الشهادة التي كان يمنحها هذا المعهد إلا أن مستوى الدراسة فيه كانت ذات متسوى عالي يقوده أعضاء هيئة التدريس فيه من الفنانين المتميزين في مجالاتهم التي كانو يقومون بتدريسها، ومع ذلك فإن أغلب خريجيه اخرطوا في التدريس كوظيفة اساسية بجانب ممارسة بعضا منهم الفنون التشكيلية، والبعض الآخر أكمل دراسته الجامعية في الخارج.
وبالنظر إلى ما حققه هذا المعهد من نتائج غنية عن التعريف لقد فكرت وزارة المعارف في ذلك الوقت تطوير فكرة تعليم الفنون التشكيلية إلى المتسوى الجامعي داخل البلاد، فاستدعت خبراء من أكاديمات الفنون في إيطاليا لدراسة تطوير هذا النوع من التعليم، وقد تكون لذلك لجنة سعودية لتدراس الأمر للخروج بنتائج تتماشى مع خطط التنمية في البلاد، وقد ضم الجانب السعودي عدد من الأساتذة المشرفين على التربية الفنية (لا تحضرني الأسماء الآن) وكذلك الفنان المرحوم عبد الحليم رضوي، وقد أجتمعت اللجنة السعودية الأيطالية عدة اجتماعات لتدراس الأمر وقد حصلت بالصدفة على محاضر هذه الأجتماعات بالصدفة بينما كنت معيدا في قسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود وقمت بتصوير نسخة وحفظها في ارشيف مجلة اليمامة التي كنت متعاونا معها كمشرف على الصفحة الفنية في ذلك الوقت (1980-1981).  وكان واضحا للخبراء الإيطاليين أن الجانب السعودي كان في البداية يسعى لتطوير معهد التربية الفنية للمستوى الجامعي، أما الإيطاليين فإنهم كانوا يرون أن مثل هذا التطوير غير كافي ليكون لدى المملكة متخصصين في المجالات الفنية المتعددة والفنون الجميلة الأخرى، وفي نهاية الجلسات أوصت اللجنة المشتركة بأن يتم انشاء قسم للتربية الفنية في جامعة الملك الرياض ليقوم بتخريج المتخصصين في التعليم استكمالا لدور المعهد، وأن يتم إغلاق المعهد فيما بعد لحرض الوزارة على مستوى الكفاءة الأكاديمية بين المعلمين بشكل عام، بينما أوصت اللجنة أن يتم فتح كلية للفنون الجميلة في ذات الجامعة ليخريج المتخصصين في مجالات الفنون الأخرى.
وبالفعل بدأت الجامعة بالأستعداد لفتح قسم التربية الفنية في كلية التريية واستدعت لذلك بعض الأساتذة من رواد هذا المجال وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور لطفي محمد زكي (يرحمه الله) والأستاذ الدكتور عبد الغني النبوي الشال وعدد من الأساتذة الأفاضل من مصر الشقيقة، وبالفعل بدأ القسم بقبول أولى دفعات المتقدمين في العام 1975، وفي نفس الوقت قررت الجامعة انشاء كلية الفنون الجميلة لتكون ضمن حرم الجامعة الجديد الذي نراه اليوم.
تم افتتاح قسم التربية الفنية في كلية التربية والتي كان مبناها السابق في الناصرية، ويتكون هذا المبنى من طابق أرضي وطابقين فوقه، كما أن هناك ملحقات خارج المبنى الرئيسي حيث يوجد بعض مراسم القسم في جزء منه، وقد تنامى عدد المتقدمين للقسم وضاقت المراسم والورش بالطلاب فتقدم القسم بطلب لعميد الكلية آنذاك الأستاذ الدكتور محمد الأحمد الرشيد (وزير التربية والتعليم سابقا) لبناء مراسم جديدة، والذي أكد بأن كلية الفنون الجديدة سوف تضم كل المراسم والإمكانيات التي يرغبها القسم، كما أكد ذلك رئيس القسم في ذلك الوقت الأستاذ الدكتور لطفي محمد زكي (يرحمه الله) الذي اكد مرارا وتكرارا بأنه اطلع على الخرائط الخاصة بالكلية المزمع بناءها في الحرم الجامعي الجديد، وأن التجهز لذلك على قدم وساق.
كان النشاط الجامعي الثفافي والفني في تلك الفترة يعج بالمواهب الطلابية التي كان الملجأ والوحيد لها هو ممارسة مثل هذا النشاط في كليات الجامعة.  فشكلت عمادة شئون الطلاب فرقا مسرحية لكل كلية ومنتخبا للجامعة للتمثيل المسرحي، وقد تعاقدت الجامعة مع مخرجين متخصصين ومهندس ديكور مسرحي لإعداد العروض المسرحية الدورية، كما قامت الجامعة بعمل مسابقة بين الكليات في العروض و الكتابة المسرحية. كما قامت الجامعة بالمشاركة في مسابقات في عروض خارج الجامعة وقدمت عروضا مسرحية في القاهرة، والأردن، والخرطوم.  وقد تخرج من خلال هذا النشاط  بعض الوجوه الفنية والإعلامية المعروفة اليوم والتي اثرت الحركة المسرحية في المملكة من أمثال المرحوم بكر الشدي، والفنان ناصر القصبي وعبد السدحان، والدكتور راشد الشمراني (مؤلف مسرحي أيضا)، والصحفي داود الشريان وغيرهم كثير.  كما كان من اهتمام عمادة شئون الطلاب بالموسيقى أن شجعت قيام فرقة موسيقية اثرت الحفلات الجامعية بمقاطع من الموسيقي الشرقية الأصيلة وكانت كلية التربية هي الرائدة في ذلك بفرقتها التي كانت تضم عدد من عازفي الكمان والأيقاعات والعود والناي والآت الموسيقية الأخرى.  وقد أقامت الجامعة أيضا مهرجانا للتراث والفنون الشعبية ضمن نشاطاتها وضع البذرات الأولى بالطبع لما يعرف اليوم بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة (مهرجان الجنادرية). وضم مخطط الحرم الجامعي الجيديد قاعتي مسرح مجهزاتان بأحدث لتجهيزات الفنية من اضاءة وديكوارات وخشبة قلما توجد في مسارح الجامعات وحتى معاهد المسرح المتخصصة في الدول الأوروبية الأمريكية وهذا ما قاله لي احد المهندسين عندما قابلته بعد سنوات إفتتاح الحرم الجامعي. القاعة الكبرى تتسع لأكثر من 3 آلاف متفرج والصغرى تتسع لحوالي 500، وكل هذا كان مؤشرا على النظرة التقدمية التي كان ينظر بها المسئولين في الجامعة.
وانتقلت الجامعة بكامل كلياتها التي اكتمل بناؤها في عام 1984 ولكن بعض الكيات لم يتم تنفيذها في هذه المرحلة وقد كان من ضمن الكليات كلية الفنون الجميلة وكلية العمارة والتخطيط ومعهد اللغة العربية وكلية الحاسب.  وقد اقتصر قسم التربية الفنية بكلية التربية على بعض الورش والمراسم التي كان فيما يبدو أنها معامل للعلوم، وبالفعل قام القسم بالمطالبة ببناء مقر خاص بالمراسم والورش تتوفر فيه المواصفات والتجهيزات الخاصة بمثل هذه المرافق، وكان رد الجامعة بداية من العام 1986 هو ان كافة التجهيزات الخاصة بالمراسم سوف يتم تنفيذها في كلية الفنون الجميلة، وقامت الجامعة بتكليف أحد دور الأستشارات المتخصصة بالاشراف على المواصفات الفنية والبناء وطرحت مشروع المرحلة الثانية من المنطقة الأكاديمية للشركات، ولكن المشروع قد توقف لعدم وجود الميزانية الكافية لمثل هذا المشروع الضخم، فقررت الجامعة على ما يدو وضع الكليات الجديدة في مباني بعض الكليات القائمة فسكنت كلية الحاسب في مبنى كلية العلوم، وكلية العمارة والتخطيط في مبنى كلية الهندسة، ومعهد اللغة العربية اختل مبنى أدارة الجامعة السابق والذي ضم أيضا المخازن المركزية في الجامعة وبعض الإدارة الإخرى بعد انتقال إدارة الجامعة للمبنى الإداري الذي يتوسط الحرم الجامعي في الوقت الحاضر، وقد تم تأجيل انشاء كلية الفنون الجميلة إلى أن تتوفر الميزانية المخصصة لذلك...
ولكن بسبب مرور البلاد ببعض الأزمات المالية في ذلك الوقت بسبب انخفاض سعر النفط في الأسواق العالمية حيث وصل سعر البرميل إلى 10 دولارات، أضافة إلى حرب الخليج الأولى التي قادها صدام حسين على إيران. فظلت الكثير من المشاريع معلقة حتى يتحسن الوضع، ولكن الحرب الثانية لاحتلال الكويت والتي قادها صدام هذه المرة أيضا أدت ايضا إلى تأجيل مشاريع كثيرة في الدولة. ومرت البلاد بموجة من "الصحوة" الدينية التي وضعت الكثير من المناشط الثقافية والفنية تحت مجهر الشك، وقد أثر هذا التوجه على القرارات الإدارية في دوائر صنع القرار في الكثير من الإدارات الحكومية والجامعات.. وقد ضل المشتغلين بالفن يتطلعون بأمل أن تقوم الجامعة بإحياء فكرة كلية الفنون الجميلة سيما أن الكثير من فنانينا التشكليين والمسرحيين والموسيقيين والمصممين سافروا إلى الخارج للدراسة فمن الضروري أن تبدأ الجامعة بإنشاء هذه الكلية في البلاد. تم افتتاح شعبة للمسرح في قسم الإعلام بكلية الآداب ولفترة وجيزة ثم أغلق لقلة الإقبال عليه.
عادت الآمال تنتظر من جديد بعد أن انتعش الإقتصاد السعودي في السنوات الخمس الآخيرة وبدأت المشاريع التي اقرتها الحكومة تنفذ على مراحل، ومن ضمن هذا المشاريع مشروع المرحلة الثانية من المباني الأكاديمية في جامعة الملك سعود وقد ضمت أيضا مشروع بناء الحرم الجامعي للبنات على أرض الجامعة في الدرعية.  ولكن المؤسف والمخيب للآمال إن الجامعة قد تخلت عن فكرة إنشاء كلية الفنون الجميلة، وضل صدى ماقاله الأستاذ الدكتور حمود البدر يتردد في الجامعة، وضاعت الآمال والتطلعات الجميلة التي عشناها نحن المعنيين بالأمر.. هذه حكاية نهايتها لم تكن سعيدة.. ولكن الآمال اليوم تتطلع لإنشاء أقسام فنية في جامعة الأميرة نوره بنت عبد الرحمن للبنات بالرياض وعسى ان يتحقق ولو جزء يسير من الحلم لبناتنا، كما أن الكليات والجامعات الأهلية يمكن أن تعمل على إنشاء اقسام التصميم والتصميم التطبيقي في كلياتها...
الأمل معقود أيضا لتوجه الجامعة في تحقيق مراكز عالمية رائدة بين الجامعات واستحداث كليات تخصصية مثل كلية الأثار والمتاحف وكلية القانون وكلية الأعمال وكلية الإدارة.. فهل تكون الخطوة القادمة إنساء كلية للفنون الجميلة؟

انتهي ....


بآذن الله يادكتور يتحقق الحلم في وقت قريب (وان غداً لناضرة قريب )لن تنقطع الأمنيات والله يرعاءها ثم أناس مثلك يسعؤن لتحقيقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق